الصراع على خلافة غزواني: ملامح تحول في ميزان القوى داخل النظام الموريتاني..

تعيش الساحة السياسية الموريتانية منذ أشهر على وقع تحركات مكثّفة داخل هرم الدولة، تعكس حالة من إعادة التموضع بين أجنحة السلطة مع اقتراب استحقاقات 2029. فبينما تبدو الصورة الرسمية مستقرة، تكشف الكواليس عن صراع مكتوم على “مرحلة ما بعد الرئيس”، تتداخل فيه المصالح السياسية والعائلية والأمنية، ويُستخدم فيه الإعلام الجديد كأداة لتوجيه الرأي العام.
وفي الآونة الأخيرة، تكاثرت التسريبات الإعلامية التي تتناول ملفات حساسة داخل المؤسسات الأمنية والاقتصادية، في ما يشبه حرب ظلّ بين مراكز النفوذ. فكل تسريب يحمل بصمة جناح معيّن، يسعى إلى إضعاف خصومه وإعادة رسم الخريطة الداخلية، في حين تُقدَّم بعض القضايا للرأي العام في إطار “محاربة الفساد”، بينما تخفي في جوهرها عمليات إقصاء ممنهجة.
يلاحظ مراقبون أن المؤسسة الأمنية أصبحت في قلب هذا الصراع، خصوصًا بعد التغييرات المتتالية في مناصب حساسة داخلها. فإقالة مدير الأمن الوطني السابق، وما تبعها من تعيينات مفاجئة، اعتُبرت من طرف بعض المتابعين انعكاسًا لتوازن جديد بين جناحَين داخل النظام:
الأول يراهن على استمرار النهج الرئاسي الحالي، والثاني يسعى إلى فرض نفسه كقوة موازية قادرة على قيادة المرحلة المقبلة.
وتظهر التعيينات الأخيرة في الحكومة والمؤسسات الكبرى نمطا متكرّرًا في الاصطفافات، يقوم على روابط القرابة والمصالح الاقتصادية. هذا التداخل بين العائلي والسياسي جعل من دوائر النفوذ محصورة في مجموعات صغيرة، ما يفسّر شراسة التنافس بينها، خصوصًا في ظل غياب أحزاب قوية قادرة على احتضان الطموحات السياسية داخل أطر مؤسسية.
تحول الإعلام، وخاصة المنصات الخارجية، إلى أحد أبرز أدوات التأثير في هذا الصراع، حيث يتم تسريب المعلومات بطريقة انتقائية لخلق انطباعات عامة حول “منظومة الفساد” أو “إصلاح الدولة”، وفقًا للمصلحة المرحلية لهذا الجناح أو ذاك.
ومع غياب الشفافية الرسمية، أصبحت الشائعة تتقدّم البيان، والمدوّن يتفوّق على الناطق الرسمي، في مشهد يهدد الثقة في المؤسسات.
و في ظل هذا المناخ، يبدو أن التحدي الأكبر أمام الرئيس غزواني هو الحفاظ على تماسك الدولة ومؤسساتها، وتحصينها من الاستقطاب الداخلي. فمحاربة الفساد لن تكون مجدية إن تحولت إلى سلاح في معارك النفوذ، ولا يمكن حماية الأمن الوطني عبر القرارات الفجائية أو التسريبات الانتقائية.
ما تحتاجه موريتانيا اليوم هو حوار صادق حول مستقبل الحكم، يعيد الاعتبار للمؤسسات على حساب الأجنحة، وللمسؤولية على حساب الولاء.