الوضع مقلق في دولة مالي/ لبات ولد المعيوف

الوضع المقلق في دولة مالي الجارة يثير لدينا أكثر من تساؤل، ويفرض علينا اتخاذ إجراءاتٍ وقائية تحسبًا لأي تدهور غير مسبوق. فالأحداث الأخيرة التي تعصف بهذا البلد الشقيق لا يمكن أن تتركنا غير مبالين، لما تحمله من تداعياتٍ محتملة تتجاوز حدود مالي لتُهدد توازن المنطقة بأسرها.
منذ عدة سنوات، تعيش مالي أزمةً متعددة الأبعاد تجمع بين انعدام الأمن، وعدم الاستقرار السياسي، وتفكك النسيج الاجتماعي. وقد جعلت الانتقالات السياسية المتكررة، والتوترات بين الجماعات المسلحة، واتساع رقعة الإرهاب، وتعدد الأطراف الأجنبية الفاعلة على الأرض، من هذا البلد ساحةً مفتوحةً للصراعات والمنافسات. وفي منطقةٍ تتسم بحدودٍ مفتوحة واقتصاداتٍ مترابطة، لا يمكن لأي دولة أن تعتبر نفسها في مأمنٍ من تداعيات هذا الفوضى.
بالنسبة لدول الجوار، ينبغي النظر إلى هذه الأزمة كجرس إنذارٍ حقيقي. فالتآكل التدريجي للمؤسسات في مالي يكشف هشاشة هياكلنا الوطنية حين لا تقوم الحوكمة، والوحدة الوطنية، والأمن على أسسٍ راسخة. وما يحدث اليوم في مالي ليس مأساةً معزولة، بل هو انعكاس لتوتراتٍ عميقة تمزق منطقة الساحل بأكملها: من فوارق اجتماعية صارخة، وتهميشٍ لمناطق ريفية بأكملها، وضعف حضور الدولة، إلى انعدام الثقة المتزايد في المؤسسات الرسمية.
أمام هذا الواقع، لم يعد وقت الاكتفاء بالمراقبة. علينا إعادة التفكير في سياساتنا الأمنية، وتعزيز صلابة مؤسساتنا، وتشجيع الحوار الشامل بين الشعوب والسلطات. فالردود العسكرية، مهما كانت ضرورية، تظل عاجزة عن تحقيق الأمن بمفردها دون مقاربةٍ شاملةٍ تتكامل فيها التنمية والتعليم والعدالة الاجتماعية والمشاركة المواطِنة.
تُذكّرنا مالي، في محنتها، أن الاستقرار ليس أمرًا مكتسبًا بشكلٍ دائم؛ بل هو بناءٌ يوميٌّ يتطلب اليقظة والوقاية والتضامن الإقليمي. وتجاهل هذا الدرس يعني المخاطرة بتكرار الانقسامات نفسها التي تمزق اليوم هذا البلد الجار.