مقترحات لتعزيز السلم الأهلي وحقوق الإنسان في موريتانيا – طالب عبد الودود –

طلب مني مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف قبل أسابيع تزويدهم بمقترحات لبلدي موريتانيا لأنهم يعكفون على تقرير حول حقوق الإنسان هناك و هذه نسخة من المقترحات التي أعطيتهم :
مقترحات لتعزيز السلم الأهلي وحقوق الإنسان في موريتانيا:
أولا: الشروع في مجابهة الواقع الإقتصادي الظالم في البلد حيث تتركز كل ثروات البلد الكثيرة في أيادي أقلية حوالي 5% في المائة من شرائح مختلفة (بيظان، حراطين، زنوج) وحوالي 95% في المائة يرزحون تحت و طأة الفقر والبؤس والشقاء وسط شبه إنعدام للطبقة الوسطى وهو ما أنعكس على السلم الأهلي وجعل كل عرق يثور ضد الآخر ويتهمه بالمسؤولية عن تفقيره و الحقيقة هي أن أنظمة الفضاىٔح الموريتانية هي التي تفقر الجميع و تدفعهم للتناحر فيما بينهم على أساس عرقي لتتفرغ للنهب بهدوء.
ثانيا: يجب أن تتوقف قيادة البلد السياسية عن خلق القيادات و الزعامات العرقية و إستخدام العِرق في السياسة المحلية في إستهتار واضح بالسلم الأهلي وضيق الأفق مثلا:
جميع الموريتانيين يعرفون هذا (الأمر لم يعد سرا) أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ونظامه (هو نفس النظام الحالي) كانوا وراء إنشاء ودعم قيادات عرقية مُتطرفة من شريحة الأرِقاء السابقين مثل برام الداه اعبيد و دعموه بالمال وفتحوا له الإعلام الرسمي و المحلي و فعلوا نفس الشيء أمام القيادات العرقية الأخرى لمهاجمة شرائح أخرى وكنت شخصيا قد نددت أكثر من مرة بهذا الأمر.. كنت دوما أقول بأن النظام الموريتاني هو الوحيد في العالم الذي يُشرف على تمزيق وحدته الوطنية بصفة رسمية وفقا لمنطق “فرق تسد” المعروف.
وهنا أُوضح أن هدف النظام الموريتاني من دعم الصراعات العرقية هو لفت الإنتباه عن الفساد المستشرى في رأس النظام حيث يتم نهب ثروات البلد بصفة وقحة وعلنية لا تخفى على أحد.
ثالثا: إجراءات واقعية وملموسة إتجاه مكافحة الفساد ومعاقبة المفسدين وهم معروفين للجميع وتقارير محكمة الحسابات تذكرهم بالأسماء والألقاب والوظاىٔف والمبالغ المسروقة معروفة، وعلى الرغم من ذلك لا يزال هولاء المفسدين في مناصبهم في الوزارات و السفارات و الإدارات الإقليمية ولا شيء تغير وهو ما يبعث برسالة مفادها أن الفساد فوق الجميع والقانون لاوجود له و النظام يتعنت و يتصامم و يرد بالمزيد من الوظائف للمفسدين و تعيين المزيد من سراق المال العام و المتورطين في قضايا و ملفات مازالت قيد التحقيق و الإحتفاظ بكل المفسدين من وزراء و موظفين لمدى عقود من الزمن و التمديد لحفنة من الكهول تقاعدوا و انتهت اعمارهم المهنية بدلا من إشراك الشباب المتعلم العاطل.
رابعا: إصلاح نظام العدالة ومحاولة فصل السلطات، القضاء في موريتانيا ضعيف جدا ولا وجود له في الواقع وهو ما جعل الجميع يفقد الثقة في القضاء وسط هيمنة واضحة للجهاز التنفيذي و كل أصحاب المظالم يعتصمون أمام القصر الرئاسي و مطالبة الرئيس مباشرة و التوسل إليه و هذا دليل كافي على إنعدام القضاء في موريتانيا. لجان حقوق الإنسان لا تقوم بعملها و مرتمية في أحضان النظام الفاسد و قام بإشراك بعضهم في الصفقات و لذلك يتجاهلون التعذيب و القمع الوحشي التي يُمارس كل يوم ضد النشطاء و الطلاب و أصحاب المظالم من مواطنين بسطاء على و موثق بالأدلة و البراهين التي ارسلت لكم بعضها.
خامسا: مكافحة البطالة المرتفعة جدا بين صفوف الشباب من مختلف الأعراق وإشراك الشباب في تسيير البلد بدل تجديد مأموريات شيوخ تجاوزوا سن التقاعد و مازال النظام يمدد لهم مأموريات خارج القانون للإستمرار ولم يعد عندهم ما يُقدموه. يجب أن يُحال هؤلاء للتقاعد و تُضخ دماء جديدة و شابة في الحكومة و في المؤسسات التابعة للدولة.
سادسا: وقف الإعتقالات التعسفية والظالمة التي تمارسها وزارة الداخلية و إدارة أمن الدولة في حق الشباب المُطالب بتحسين الظروف الإقتصادية والإجتماعية و عدم المساس بحرية التعبير. الآن يقومون بإختطاف المدونين و النشطاء على شبكات التواصل الإجتماعي لأنهم تحدثوا عن الصفقات و الفضائح المالية و الفساد و يعذبون الطلاب المتظاهرين سلميا من أجل حقوقهم في المنح و التعليم.
سابعا: وقف التعذيب في السجون و المعتقلات الموريتانية سيئة الصيت و وإدانته.
وهنا نتحدث عن تعذيب قوى الأمن للمواطنين في الشوارع وداخل مخافر الشرطة و في الحرم الجامعي و في المباني الحكومية مثل الولاية في مدينة أزويرات و هذا كله بموثق بالأدلة و البراهين وسكوت الحكومة والأجهزة الرسمية و لجنة حقوق الإنسان التي يرأس ولد بوحبيني عن هذا الواقع المشين الذي يتنافى مع قيم حقوق الإنسان و الإتفاقيات و المواثيق الدولية الكثيرة التي وافقت عليها موريتانيا … الأمر بات لا يُطاق وهناك فيديوهات كثيرة ومتنوعة توثق بالصوت والصورة حصول تعذيب على الموريتانيين من مختلف الأعراق وفى الغالب لا نسمع حتى إدانة أو فتح تحقيق من طرف منظمات حقوق الإنسان التي يتم تمويلها من المال العام الموريتاني و لا من موظفين في مفوضية حقوق الإنسان في موريتانيا.
ثامنا: إصلاح التعليم
بحكم تجربتي كأستاذ سابق و صحفي و ناشط على شبكات التواصل الإجتماعي، يمكنني القول بأن فساد نظام التعليم في البلد ساهم إلى حد بعيد في تدهور الأوضاع في شتى القطاعات وتسرب كبير للتلاميذ في مختلف المراحل المدرسية وهو ما فاقم مشاكل الفقر و الأمية والمرض إلى آخر القائمة الطويلة من الأمور المترابطة بالتعليم… وهنا أذكر أن قادة النظام الموريتاني يبعثون أبناءهم إلى مدارس السفارات الأجنبية و خاصة مدارس السفارة الفرنسية و الأمريكية في انواكشوط وبعد ذلك إلى الخارج ويعرفون تمام المعرفة بأن إصلاح النظام التعليمي في البلد لايخدم مصالحهم الشخصية على المدى المتوسط والبعيد و يُفضلون تجهيل الشعب و مواصلة إستغلاله ببشاعة.
أخيرا ما لم تتم معالجة هذه النقاط السالفة الذكر فلا معنى للحديث عن السلم الأهلي وحقوق الإنسان داخل موريتانيا، بل و أكثر من ذلك أعتقد أن مستقبل البلد في خطر كبير ولا أستبعد شخصيا عودة قوية للإنقلابات العسكرية في قادم الأيام وربما تكون أكثر تعقيدا ودموية في المستقبل لذلك أضاعف الجهود الآن من أجل نشر الوعي و عدم الإنزلاق إلى العنف و اتطلع إلى مشاركة الشباب الموريتاني من كل الأعراق و الجِهات من أجل مستقبل أفضل لشعبنا ووطننا.
طالب عبدالودود