الحياة المدرسية بين التصور والممارسة

لماذا لانفكر في جعل الفضاء المدرسي فضاء جذابا؟ألا يمكننا أن نجعل منه منبعا يجد فيه كل شخص مايطمح إليه ومايشعربه من حاجات وميولات على اعتبار أن الحاجات الأساسية للطفل المتعلم هي دوافع عامة مشتركة بين الأطفال في مختلف الثقافات الإجتماعية ؟.
● للطفل حاجات أساسية ولعل أهمها:
– الحاجة إلى الأمن
– الحاجة إلى توكيد الذات
-الحاجة إلى الحرية والإستقلال
-الحاجة إلى الإستغلال والظفر بخبرات جديدة
-الحاجة إلى اللعب …
بناء على ما يعنيه توفير هذه الحاجات يتبن أن الفضاء المدرسي ركيزة أساسية ورئيسية في أي إصلاح تربوي . فالنظرة الشمولية للواقع التربوي التعليمي من شانها أن تضفي عليه جوانب الدينامية والعطاء المستمر حتى يساير كل المستجدات التي تعرفها مختلف المجالات الحيوية .
من هذا المنطلق يبدو أن الإصلاح الصحيح أي الذي يستطيع أن يصمد ويستمر حتى يحقق الغايات المجتمعية المنشودة هو الذي ينطلق من الواقع المعيشي الذي تعرفه المؤسسات التعليمية ،ولن يتأتى ذلك مالم نأخذ بعين الإعتبار مكونات الفضاء المدرسي .
مكونات الفضاء المدرسي:
■ المدرس
———-
إن الإهتمام بالمدرس على اعتبار المكانة التي يحتلهاداخل المنظومة التربوية يبقى الأساس الذي ينبغي أن يأخذ كمؤشر للدلالة على مدى التوافق والإنسجام الموجود بين البرامج والمناهج التعليمية وبين منفذ تلك البرامج – إنه من الؤكد إذن العمل على الرفع من المستوى المادي و المعرفي للمدرس حتى يساير كل المستجدات التي مابرحت تمليها الساحة التربوية من ذلك فإن التكوين المستمر وفتح أبواب التكوين الذاتي إضافة إلى الإرتقاء بالجاب المادي من شأنهما أن يضعا المدرس في الإتجاه الصحيح والإنخراط الفعلي والدائم في السيرورة التربوية في وضع مقترحات للبرامج التعليمية وفي تشخيص مكامن القوة والضعف للمواد المدرسة وذلك أثناء أداء مهمة التعليم ،ومن جهة أخرى يظهر أن تنوع اللقاءات والأنشطة التربوية على صعيد المؤسسة التعليمية يجعل المدرس يتبادل الرؤى والمعلومات المعينة والمسهلة لأداء مهامه التعليمية والتربية وانفتاحه على الآخر بحيث تقتضي مهنة التدريس أن يكون المدرس كائنا مبدعا وقادرا على الخلق . وذلك لكي لا يبقى طيلة حياته مكررا لمعرفته الخاصة وموزعا لها وهذا يقتضي إمتلاكه لملكة الخيال التي بدونها لا تكون الثقافة الشخصية للإنسان سوى ثقافة مية …ليست خيالا تشكيليا لصور حول الواقع ،فملكة الخيال تدفع إلى مجاوزة الإنسان لذاته … إنه يخترع الحياة الجديدة والفكر الجديد ويفتح أعينا لها نظرات ورؤى جديدة .
إن المدرس الذي لايمتلك خيالا يقظا باستمرارهو غير قادر على الإحساس بأن مفاهيم مثل الممكن والمحتمل وغير المحتمل تلعب دورا مهما وتشكل أساس أية استراتيجية بداغوجية طموحة وجذابة بالنسبة للمجيع .
إن تسهيل عمل المدرس من شأنه أن يجعل منه مبدعا ومبتكرا لأساليب مختلفة قد تساعد المتعلم على الإستمرار في عمليتي الإكتساب والتعلم ومنه تنامي الرغبة في التحصيل الدراسي .
■ البنية التحتية
——————
إن البنية التحتية للمؤسسات التعليمية وفي ظل البداغوجيات الحديثة لم تعد مجرد إطار خارج عن مهمة التعلم بل أصبحت هي الأخرى من الأساسيات التي تحبب عملية التعلم لدى المتعلم بل وتزيد من رغبته في التحصيل وفي التعلق بالفضاء المدرسي .ولأنه بالتحديد ظل دور البنية التحتية للمدرسة مغيبا أثناء تغييرنا للبرامج والمناهج وإصلاحها في حين أنه يجب أن يعطى لهذا المكون مايستحقه نظرا لما له من أهمية فالمكتبات المدرسية باتت حاجة ملحة لكل مؤسسة لأنه وفي زمن القراءة لا نرضى كأفراد من المجتمع أن يظل معظمه عازفا عن المطالعة والقراءة .
ولخلق مجتمع قارء لابد من الأساس والذي يتجلى في توفير الكتاب المدرسي والأخذ بيد كل متعلم مهما كان مستواه الدراسي في سبيل اغناء رصيده المعرفي وترغيبه في البحث عن مادة تعلمه وفق حاجته النفسية وميولاته . ولن يتم ذلك مالم نجعل من المكتبة المدرسية فضاء يجد فيه المتعلم ضالته .
ومن جانب آخر تبقى الوسائل والتقنيات التكنلوجية الحديثة على اعتبارها من مكونات الفضاء المدرسي ومن أهم ماينبغي التركيز عليه والعمل على ادماجه داخل المظومة التربوية وخصوصا أن المعلومة أصبحت تنتج بطريقة جد سريعة وتنقل بأسهل الطرق إلى كل من يرغب فيها ،فدور هذه التكنلوجيا مؤكد؛ بناء على ماتوصلت إليه الدول المتقدمة في هذا الصدد من نتائج وانجازات هامة وبالتالي فإن المدرسة مطالبة بأن تفتح أبوابها لتلك التكنلوجيا حتى يستطيع كل متعلم أن ينهل من ثمارها وذلك لمساعدته على الإنخراط والإندماج الصحيح في مسيرة التنمية.
■ الأنشطة التربوية
———————-
إن الخروج من رتابةالفصل وما يحيط به من إكراهات هو السبيل الأوحد لخلق متعلم ذو شخصية متزنة وقادرة على تحيق دوافعها واهتماماتها او بمعنى آخر ضرورة فتح آفاق أخرى لاكتشاف الشخصية الدفينة للمتعلم ،بحيث عندما يتمكن الطفل من أن يمارس بعض الأنشطة خارج الفصل وداخل فضاء المدرسة كتعويده على المسرح وتقنياته في التمثيل وأسالبيه بمساعدة معلم يقوم بتوظيف مؤهلات كل فرد للظفر بخيط من تلك الأنشطة فإننا بذلك نستطيع أن نخرج من دائرة السلبية إلى دائرة العطاء والإبداع .
ومن الوجهة الأخرى فإن المعامل التربوية لها دورها في التأثير على شخصية المتعلم حسب مميزات كل فرد بحيث يتمكن من خلالها أن يبدع ويخرج مواهبه الفنية الكامنة فيه إنطلاقا من ميولاته ودوافعه الذاتية وهذا ما أكدته مختلف الدراسات والأبحاث التي أظهرت عن وجود ظاهرة الفروقات الفردية وكذا نظرية الذكاءات المتعددة بحيث مايطمح إليه متعلم معين ليس هو بالضرورة مايرغب في الآخر ،فالفصل الدراسي وإن شكل وحدة متجانسة من التلاميذ فإن لكل واحد ميوله واهتماماته ولو أننا فرضنا عليهم جميعا ممارسة هواية معينة لماشعروا بالراحة لأنهم أرغموا على ممارسة أنشطة مفروضة عليهم ومعنى هذا أن اللجوء إلى طريقة واحدة في التدريس إذا أفادت بعض التلاميذ فإنها لا تفيد الجميع .
إذ كل تلميذ إلا ويتعلم بطريقة معينة وذلك حسب نوع الكفاءة الذهنية التي لديه …لذا ينبغي أن يقدم الدرس في قالب متعدد الأشكال والرسوم واعتماد الأسئلة الاستنتاجية والعمل بالمجموعات بحيث يتعاون التلاميذ فيما بينهم في انجاز بعض المراحل من الدرس ثم تكليفهم بأنشطة فردية . فالمؤسسة التعليمية مرغمة على توفير فضاءات من هذا القبيل لجعل كل فرد يجد ذاته فيها ،فكل هذه الفئات المتنوعة من التلاميذ تتعايش في القسم الدراسي الواحد يتعذر في كثير من الأحيان التعرف عليها مالم يفسح المجال أمامهم وتتنوع الأنشطةالتدريسية حتى نستطيع أن نكتشف كفاءاتها ومواهبها ليس في الأشطة الترويحية فحسب وإنما في الأنشطة التدريسية قبل كل شيء . ولعل هذا هو ماتدعو إليه مقاربة الذكاءات المتعددة أي اكتشاف الكفاءات والقدرات المختلفة لدى المتعلمين وتنميتها ورعايتها حتى نجعل صاحبها كفءا بارعا في مهنة معينة يميل إليها وله استعداد لمزاولتها.
■ المناهج والبرامج الدراسية
———————————-
فيما يتعلق بالمناهج والبرامح فإننا نلاحظ أن هذه البرامج تحتوي في طياتها مجموعة من المواد الدراسية التي تتطلب وقتا أطول (السنة الدراسية يجب أن تكون فعليا تسعة أشهر)وجهدا أكبر .
إن ظاهرة زحمة المواد المدرسة قد تصبح عائقا من عوائق التعلم فالمتعلم يجد نفسه مشتتا بين مجموعة من المعارف المنفصلة عن بعضها البعض ويبقى همه الوحيد هو البحث عن كيفية إرضاء كل مدرسي المواد وبالتالي فإن تعلم تلك المواد يبدو بالأمر العسير عليه فطغيان المحتوى والتكيز على الجانب المعرفي العقلي للمتعلم دون غيره من الجوانب الأخرى المكونة لشخصية الفرد كاالجوانب الحسية الحركية والجوانب الوجدانية يؤدي بالمتعلم إلى إنهاك قدراته وبالتالي ازدياد الرغبة في النفور من المدرسة .
فالبرامج التعليميةفي كثيرمنها تركز على على جانب واحد من شخصية المتعلم ويتعلق الامر بالجانب المعرفي العقلي في جانبه الضيق والذي تتمظهر معظم خصائصه في تقديم أكبر كم من المعارف في مدة محددة ليبحث المتعلم وبطريقته الخاصة عن كيفية تخزين تلك المعارف والعمل على أستحضارها عند الطلب ،فتجزيء شخصية المتعلم إلى مجالات دون مراعاة شموليتها وتكاملها يجعلنا لانفهم حقيقة تكوينه ومنه عدم قدرتنا على تلبية حاجاته ورغباته التي تتنوع أكثر بقدر ماتتعقد بدلالة المرحلة النمائية.
من كل ماسبق يتبين أنه وأثناء تغيير البرامج لابد من الوضع في الحسبان تلك الجوانب الوجدانية والمعرفية والحسية الحركية مع أخذ شخصية المتعلم في شموليتها مع العمر العقلي والزمني للمتعلم والتخفيف من عناء المواد المدرسة بات أمرا لا محيد عنه حتى يتمكن الفرد المتعلم من إخراج قدراته الإبداعية والخلاقة وليتمكن بعدها من ولوج الطريق القويم للبحث عن مادة تعلمه وفق حاجته ودوافعه النفسية والمعرفية.
إن تحقيق السعادة للطفل المتعلم يتم عبر إشباع حاجاته وتأمين الحماية له والإستقرار وهي كلها عوامل تحسه بالرغبة في الحياة والإستمرار التدريجي في التفاعل مع محيطه .
إن حب الطفل والرغبة فيه في ذاته ولذاته يعزز الثقة في نفسه ويشعره بالقوة ويدفعه إلى الحركية والعمل أما احساسه بالنبذ والكراهية والإنتقاد المستمر فيشكل عامل هدم وافتقار وانتقاص لشخصيته ومحو لمعالمها بالتدرج .
إن استغلال فضاء المدرسة في الإتجاه الصحيح أوبمعنى آخرفي جعله فضاء يكشف فيه المتعلم ذاته لهو الكفيل ذاته لهو الكفيل بخلق شخصية متوافقة مدرسيا واجتماعيا ونفسيا . ومن بين المشاكل التي تعج بها المؤسسة التعليمية نجد ظاهرة اكتظاظ الأقسام حتى أننا لنجد أنفسنا كمدرسين في الحقل التعليمي أنه من الصعب التوفيق بين البداغوجيات الحديثة وما تنادي به وبين الواقع الذي يعيشه الفصل الدراسي من اكتظاظ على مستوى الأقسام ؛فعلى سبيل المثال لا الحصر من جانب تكييف المواد المدرسة على مستوى تلاميذ الفصل على اعتبار أن هذا الاخير يضم مجموعات مختلفةبل ومتنافرةفي أغلب الأحيان …. وهذا مااكدته البداغوجيا الفارقية حيث وجود اختلافات على مستوى الوتيرة التعلمية لكل متعلم مما يجعل عملية التكييف هذه جد صعبة إن لم نقل مستحيلة إذ أن الفصل الدراسي لا يحتوي على فئات متجانسةمن حيث المستوى العقلي المعرفي ولا من حيث الرغبة في التعلم . من هنا قد تطرح قضية الإكتظاظ كعائق امام تكييف البرامج التعليمية والمستوى العام للمتعلمين وبالتالي فإن فضاء القسم من هذا المنظور أصبح من الدعائم الأولى لأي إصلاح .فتكييف المواد المدرسة رهين بتكييف فضاء القسم من ناحية عددالمتعلمين وتوفير كل الوسائل الضرورية لتقريب المفاهيم إليهم وفي مقابل ذلك وجب الحرص كل الحرص على تحقيق رغبات الطفل لأن عدم القدرة على الإستمرار في تحيق رغباته تؤدي إلى عكس مانتوقع.
لعلني بهذا الطرح حاولت قدر الإمكان أضع بين يدي القارء والمهتم بعضا من الجوانب المقصية من نظامنا التربوي التعليمي والتي لايمكن الإستغناء عنها أو إهمالها نظرا لما تكتسيه من أهمية بالغة في سبيل إعطاء معنى لمانخططه من أهداف ونرسمه من غايات ولزرع روح جديدة للمؤسسة التعليمية حتى تصبح أكثر دينامية ومتوافقة مع متطلبات الفرد المنتمي إليها من جهة ومع متطلبات المجتمع المتحول من جهة ثانية . ولن يتحقق ذلك مالم نعط الفضاء المدرسي بمختلف اسلاكه الوجه الحقيقي له ليصبح أداة مساعدة على الرفع من جودة التربية والتكوين بفعل تحفيزرغبة المتعلم لتعلم أفضل وليجد في ذلك الفضاء كل مايرغب فيه ،وبتواز مع ذلك تحفيز المدرس على العطاء والبحث ليكون فاعلا في المتعلم وفي مساعدته على تحقيق حاجاته ورغباته .
لكن وفي الإتجاه الآخر أي عند ما يفقد الفصاء المدرسي بعضا من خصائصه ووظائفه التربوية فإن الأمور تتأزم ويصبح معها الفضاء عائقا من عوائق التعلم عوضا عن كونه مساعدا ومحفزا على التعلم والأجدر بنا في هذا المقام أن نؤكد على وجود نوع من التفكك في نظامنا التربوي . فالمدرس فقد بعض أدواره والمتعلم لم تعد لديه الرغبة في الإستمرار في الجو المدرسي وبين هذا وذاك تبقى المسالة محيرة وتدعو إلى المزيد من التحليل والعناية لانه في غياب فضاء المدرسة وعدم إعطائه المكانة التي يستحقها داخل المنظومة التربوية تبقى البرامج والمناهج مهما تغيرت عبارة عن نماذج جوفاء ضمن موضة معينة تفنى بمجرد استعمالها- رأي-
*محمدالأمين محمدسالم* {النابغة}